كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني: لا تنفذون إِلاّ بحُجَّة، قاله مجاهد.
والثالث: لا تنفُذون إِلا بمُلك، وليس لكم مُلك، قاله قتادة.
قوله تعالى: {يُرْسَلُ عليكما} فثنَّى على اللفظ.
وقد جمع في قوله: {إِن استطعتم} على المعنى.
فأمّا (الشُّواظ) ففيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه لهب النار، قاله ابن عباس.
وقال مجاهد: هو اللهب الأخضر المنقطع من النار.
والثاني: الدُّخان، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: النار المحضة، قاله الفراء.
وقال أبو عبيدة: هي النار التي تأجَّج لا دخان فيها، ويقال: شُواظ وشِواظ.
وقرأ ابن كثير بكسر الشين؛ وقرأ أيضًا هو وأهل البصرة: {ونُحاسٍ} بالخفض، والباقون برفعهما.
وفي (النُّحاس) قولان.
أحدهما: أنه دخان النار، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، والفراء وأبو عبيدة، وابن قتيبة، والزجاج، ومنه قول الجعديّ يذكر امرأة:
تُضيءُ كضَوْءٍ سِراج السَّلِي ** طِ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ فيه نُحاسا

وذكر الفراء في السَّليط ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه دُهن السَّنام، وليس له دخان إِذا استُصبح به.
والثاني: أنه دُهن السِّمسِم.
والثالث: الزيت.
والثاني: أنه الصُّفْر المُذاب يُصَبُّ على رؤوسهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة.
قال مقاتل: والمراد بال: كفار الجن والإنس، يرسل عليهما في الآخرة لهب النار والصُّفْر الذائب، وهي خمسة أنهار تجري من تحت العرش على رءوس أهل النار، ثلاثة أنهار على مقدار الليل، ونهران على مقدار نهار الدنيا، {فلا تَنْتَصِرانِ} أي: فلا تمتنعان من ذلك.
قوله تعالى: {فإذا انْشَقَّت السَّماءُ} أي: انفرجتْ من المجرَّة لنُزول مَنْ فيها يومَ القيامة {فكانت وردةً} وفيها قولان.
أحدهما: كلَوْن الفرس الوردة، قاله أبو صالح، والضحاك.
وقال الفراء: الفرس الوردة، تكون في الربيع وردة إِلى الصُّفرة، فإذا اشتد الحر كانت وردة حمراء، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة، فشبّه تلوّن السماء بتلوّن الوردة من الخيل؛ وكذلك قال الزجاج: {فكانت وردة} أي: كلون فرس وردة؛ والكُميت: الورد يتلوَّن، فيكون لونه في الشتاء خلاف لونه في الصيف، ولونه في الصيف خلاف لونه في الشتاء، فالسماء تتلوَّن من الفزع الأكبر.
وقال ابن قتيبة: المعنى: فكانت حمراء في لون الفرس الورد.
والثاني: أنها وردة النبات؛ وقد تختلف ألوانها، إلا أن الأغلب عليها الحمرة، ذكره الماوردي.
وفي الدِّهان قولان.
أحدهما: أنه واحد، وهو الأديم الأحمر، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه جمع دُهن، والدُّهن تختلف ألوانه بخُضرة وحُمرة وصُفرة، حكاه اليزيدي، وإلى نحوه ذهب مجاهد.
وقال الفراء: شبّه تلوُّن السماء بتلوُّن الوردة من الخيل، وشبّه الوردة في اختلاف ألوانها بالدُّهن.
قوله تعالى: {فيومَئذ لا يُسألُ عن ذَنْبه إنسٌ ولا جانٌّ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: لا يسألون ليُعلم حالهم، لأن الله تعالى أعلم منهم بذلك.
والثاني: لا يسأل بعضهم بعضًا عن حاله لاشتغال كل واحد منهم بنفسه، روي القولان عن ابن عباس.
والثالث: لا يُسألون عن ذنوبهم لأنهم يُعرفون بسيماهم، فالكافر أسود الوجه، والمؤمن أغر محجَّل من أثر وضوئه، قاله الفراء.
قال الزجاج: لا يُسأل أحد عن ذنْبه ليُستفهم، ولكنه يُسأل سؤال توبيخ.
قوله تعالى: {يُعْرَفُ المُجْرِمونَ بسِيماهم} قال الحسن: بسواد الوجوه، وزَرَق الأعيُن {فيؤخذ بالنَّواصي والأقدامِ} فيه قولان.
أحدهما: أن خزنة جهنم تجمع بين نواصيهم إلى أقدامهم من وراء ظُهورهم، ثم يدفعونهم على وجوههم في النار، قاله مقاتل.
والثاني: يؤخذ بالنَّواصي والأقدام، فيُسحبون إلى النار، ذكره الثعلبي.
وروى مردويه الصائغ، قال: صلّى بنا الإمام صلاة الصبح فقرأ سورة {الرحمن} ومعنا علي بن الفضيل بن عياض، فلمّا قرأ {يُعْرَفُ المُجْرِمون بسِيماهم} خَرَّ عليٌّ مغشيًّا عليه حتى فرغنا من الصلاة، فلمْا كان بعد ذلك قلنا له: أما سمعتَ الإمام يقرأ {حُورٌ مقصوراتٌ في الخيام}؟ قال: شغلني عنها {يُعْرَفُ المُجْرِمون بسِيماهم فيؤخذ بالنَّواصي والأقدام}.
قوله تعالى: {هذه جهنَّمُ} أي: يقال لهم.
هذه جهنَّمُ {التي يكذّب بها المُجْرِمونَ} يعني المشركين، {يَطُوفون بينها} وقرأ أبو العالية، وأبو عمران الجوني: {يُطَوِّفون} بياءٍ مضمومة مع تشديد الواو؛ وقرأ الأعمش مثله إلا أنه بالتاء.
قوله تعالى: {وبين حميمٍ آنٍ} قال ابن قتيبة: الحميم: الماء الحارّ، والآني: الذي قد انتهت شِدَّة حَرِّه.
قال المفسرون: المعنى أنهم يسعَون بين عذاب الجحيم وبين الحميم، إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم الحميم الشديد الحرارة.
قوله تعالى: {ولِمَن خاف مَقام ربِّه جَنَّتانِ} فيه قولان.
أحدهما: قيامه بين يدي ربه عز وجل يوم الجزاء.
والثاني: قيام الله على عبده بإحصاء ما اكتسب.
وجاء في التفسير، أن العبد يهُمُّ بمعصية فيتركها خوفًا من الله عز وجل فله جنَّتان، وهما بستانان.
{ذواتا أفنانٍ} فيه قولان.
أحدهما: أنها الأغصان، وهي جمع فَنَن، وهو الغُصن المستقيم طولًا، وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وعطية، والفراء، والزجاج.
والثاني: أنها الألوان والضروب من كل شيء، وهي جمع فَنَن، وهذا قول سعيد بن جبير.
وقال الضحاك: ذواتا ألوان من الفاكهة.
وجمع عطاء بين القولين، فقال في كل غصن فُنون من الفاكهة.
قوله تعالى: {فيهما عينان تَجْرِيان} قال ابن عباس: تجريان بالماء الزلال، إحداهما: السلسبيل، والأخرى: التسنيم.
وقال عطية: إحداهما: من ماءٍ غير آسن، والأخرى: من خمر.
وقال أبو بكر الورّاق: فيهما عينان تجريان لِمَن كانت له في الدنيا عينان تَجْرِيان من البكاء.
قوله تعالى: {فيهما من كُلِّ فاكهةٍ زوجان} أي: صنفان ونوعان.
قال المفسرون: فيهما من كل ما يُتفكَّه به نوعان، رطب ويابس، لا يقصر أحدهما عن الآخر في فضله.
{مُتَّكِئِين} هذا حال المذكورين {على فُرُشٍ} جمع فِراش {بطائنُها} جمع بِطانة، وهي التي تحت الظِّهارة.
وقال أبو هريرة: هذه البطائن، فما ظنُّكم بالظهائر؟! وقال ابن عباس: إنما ترك وصف الظواهر، لأنه ليس أحدٌ يعلم ما هي.
وقال قتادة: البطائن: هي الظواهر بلُغة قوم.
وكان الفراء يقول: قد تكون البطانة ظاهرة، والظاهرة بطانة، لأن كل واحد منهما قد يكون وجهًا، والعرب تقول: هذا ظَهْرُ السماءِ، وهذا بَطْنُ السَّماءِ، لظاهرها، وهو الذي نراه، وقال ابن الزبير يَعيب قَتَلة عثمان: خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية، فقتلهم الله كل قتلة، ونجا منهم من نجا تحت بطون الكواكب.
يعني هربوا ليلًا؛ فجعلوا ظهور الكواكب بطونًا، وذلك جائز في العربيَّة.
وأنكر هذا القول ابن قتيبة جدًا، وقال: إنما أراد الله أن يعرِّفنا من حيث نَفهم فضلَ هذه الفُرش وأن ما وليَ الأرض منها إستَبْرَقٌ، وإذا كانت البِطانة كذلك، فالظِّهارةُ أعلى وأشرفُ.
وهل يجوز لأحد أن يقول لوجهِ مصَلٍّ: هذا بِطانتُه، ولِما وَلِيَ الأرضَ منه: هذا ظِهارته؟! وإنما يجوز هذا في ذي الوجهين المتساويين، تقول لِما وَلِيَك من الحائط: هذا ظَهْرُ الحائط، ويقول جارك لِما وَلِيَه: هذا ظَهْرُ الحائط، وكذلك السماء ماوَلِيَنا منها: ظَهْر، وهي لِمَن فَوْقَها: بَطْن.
وقد ذكرنا الإستبرق في [الكهف: 31].
قوله تعالى: {وجنى الجَنَّتَين دانٍ} قال أبو عبيدة: أي: ما يُجتنى قريبٌ لا يُعَنِّي الجانِيَ.
قوله تعالى: {فِيهِنَّ قاصراتُ الطَّرْفِ} قد شرحناه في [الصافات: 48].
وفي قوله: {فِيهِنَّ} قولان.
أحدهما: أنها تعود إلى الجَنَّتَين وغيرهما مما أُعدَّ لصاحب هذه القِصَّة، قاله الزجاج.
والثاني: أنها تعود إلى الفُرُش، ذكره علي بن أحمد النيسابوري.
قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} قرأ الكسائي بضم الميم، والباقون بكسرها، وهما لغتان: يَطْمِثُ ويَطْمُثُ، مثل يَعْكِفُ ويَعْكِفُ.
وفي معناه قولان.
أحدهما: لم يَقْتَضِضْهُنَّ؛ والطَّمْثُ: النِّكاح بالتَّدمية، ومنه قيل للحائض: طامِثٌ، قاله الفراء.
والثاني: لَمْ يَمْسَسْهُنَّ؛ يقال: ما طَمَثَ هذا البعيرَ حَبْلٌ قَطٌ، أي: ما مسَّه، قاله أبو عبيدة.
قال مقاتل: وذلك لأنهنَّ خُلِقْنَ من الجَنَّة؛ فعلى قوله، هذا صفة الحُور.
وقال الشعبي: هُنَّ من نساء الدنيا لَمْ يَمْسَسْهُنَّ مذ أُنشئن خَلْقٌ.
وفي الآية دليل على أن الجِنِّيَّ يَغْشَى المرأة كالإنسيِّ.
قوله تعالى: {كأنَّهُنَّ الياقوتُ والمُرْجانُ} قال قتادة: هُنَّ في صفاء الياقوت وبياض المَرْجان.
وذكر الزجاج أن أهل التفسير وأهل اللغة قالوا: هُنَّ في صفاء الياقوت وبياض المَرْجان والمَرْجان: صِغار اللؤلؤ، وهو أشدُّ بياضًا.
وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: (الياقوت) فارسيٌّ معرَّب، والجمع (اليواقيت) وقد تكلَّمت به العربُ، قال مالكُ بن نُوَيْرَةَ اليَرْبُوعيّ:
لَنْ يُذْهِبَ اللُّؤْمَ تاجٌ قَدْ حُبِيتَ بِهِ ** مِنَ الزَّبَرْجَدِ والياقوتِ والذَّهَبِ

قوله تعالى: {هَلْ جزاءُ الإحسانِ إلاّ الإحسانُ} قال الزجاج، أي: ما جزاءُ مَنْ أحسنَ في الدُّنيا إلاّ أن يُحسَنَ إِليه في الآخرة.
وقال ابن عباس: هل جزاءُ من قال: (لا إِله إِلاّ اللهُ) وعَمِل بما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم إلاّ الجنة.
وروى أنس بن مالك قال: «قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، وقال: هل تدرون ما قال ربُّكم؟ قالوا: اللهُ ورسُوله أعلمُ، قال: فإن ربَّكم يقول: هل جزاءُ مَنْ أنْعَمْنا عليه بالتوحيد إلاّ الجنّة».
قوله تعالى: {ومِنْ دُونِهما جَنَّتانِ} قال الزجاج: المعنى: ولِمَن خاف مقام ربِّه جنَّتان، وله مِن دونهما جنَّتان.